فصل: (بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِ التَّخَلِّي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [في النَّجَاسَاتِ]:

هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ: الْحَجْزِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَمِنْهُ: فَصْلُ الرَّبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا. (وَيَتَطَهَّرُ) مُرِيدُ الطَّهَارَةِ (بِمَا لَا يُنَجِّسُ) مِنْ الْمَاءِ (إلَّا بِتَغَيُّرٍ) وَهُوَ مَا بَلَغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، (وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ) عَيْنِ (نَجَاسَةٍ فِيهِ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا، (وَ) لَوْ (قَارَبَهَا) أَيْ: النَّجَاسَةَ مُتَطَهِّرٌ بِحَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْهَا إذْ الْحُكْمُ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قُرِبَ مِنْهَا وَمَا بَعُدَ عَنْهَا، (وَمُنْتَضِحٌ) مِنْ رَشَاشٍ تَصَاعَدَ (مِنْ) مَاءٍ (قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا) أَيْ: النَّجَاسَةِ (فِيهِ نَجِسٌ) لِانْفِصَالِهِ بَعْدَ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا انْتَضَحَ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ فَيُعْطَى حُكْمُهُ (وَيُعْمَلُ) عِنْدَ الشَّكِّ (بِيَقِينٍ فِي كَثْرَةِ مَاءٍ وَقِلَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ) لِحَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ مَاءٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، (وَلَوْ مَعَ سُقُوطِ نَحْوِ رَوْثٍ) كَعَظْمٍ (شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ) فَيَطْرَحُ الشَّكَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ، (أَوْ) مَعَ (سُقُوطِ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَتَغَيَّرَ) الْمَاءُ الْكَثِيرُ تَغَيُّرًا (يَسِيرًا بِأَحَدِهِمَا، أَوْ) تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا (كَثِيرًا بِمَا يَشُقُّ) صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (وَجَهِلَ) فَلَمْ يَعْلَمْ، هَلْ التَّغَيُّرُ حَصَلَ بِالطَّاهِرِ أَوْ النَّجِسِ؟ فَيَعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ. (فَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ مَا وَقَعَتْ) النَّجَاسَةُ (فِيهِ) (فـَ) هُوَ (نَجِسٌ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْقُلَّةُ (وَ) إنْ شَكَّ (فِي نَجَاسَةِ نَحْوِ رَوْثٍ) وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَطَاهِرٌ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ نَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ وَطِئَ رَوْثَةً فَرَخَّصَ فِيهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ (أَوْ) شَكَّ (فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ إنَاءً فَطَاهِرٌ) وَلَوْ وَجَدَ فِي فَمِهِ رُطُوبَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ، (أَوْ) شَكَّ (هَلْ طَرَأَتْ النَّجَاسَةُ) عَلَى الْمَاءِ الَّذِي تَطَهَّرَ مِنْهُ (قَبْلَ تَطْهِيرِهِ، أَوْ) طَرَأَتْ (بَعْدَهُ؟ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ) لَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ احْتِيَاطًا (أَوْ) شَكَّ فِي مَاءٍ (وَقَعَ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ (صَيْدٌ جُرِحَ) وَمَاتَ (وَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ بِالْجِرَاحَةِ أَوْ) مَاتَ (بِهِ)؟ أَيْ: بِالْمَاءِ (فَالْمَاءُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْحَيَوَانُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحُرْمَةِ) إنْ كَانَ غَيْرَ طَيْرٍ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ ذُبَابٌ وَشَكَّ هَلْ تَعَلَّقَ بِرِجْلَيْهِ نَجَاسَةٌ) قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَجَفَّتْ أَوْ لَا؟ (فَإِنْ) كَانَ (تَحَقَّقَ) تَعَلُّقَ النَّجَاسَةِ بِرِجْلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ (حُكِمَ بِعَدَمِ الْجَفَافِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَيَتَّجِهُ وَحُكِمَ بِعَدَمِ انْفِصَالِهِ) أَيْ: مَا تَحَقَّقَ عُلُوقُهُ بِرِجْلَيْ الذُّبَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ (فِيمَا وَقَعَ) الذُّبَابُ (عَلَيْهِ) مِنْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَامِدَاتِ، فَلَا يَنْجَسُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (لَا) إنْ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ وَهِيَ (فِيهِ) أَوْ عَلَى مَائِعٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَائِعِ، وَيُمْنَعُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي نَحْوِ الثَّوْبِ مَا دَامَ الذُّبَابُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ كَمَا حَرَّرَ الشِّيشْنِيُّ آنِفًا. (وَإِنْ) (أَخْبَرَهُ) أَيْ: مُرِيدَ الطَّهَارَةِ (مُكَلَّفٌ عَدْلٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ (وَ) لَكِنْ (اعْتَقَدَ صِدْقَهُ. قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ): وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ بَلْ بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِهِ قَبْلَ خَبَرِهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى كَذِبِهِ رُدَّ خَبَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَفَ خَبَرُهُ، انْتَهَى.
فَاتِّجَاهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ حَسَنٌ (وَلَوْ) كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا (ظَاهِرًا) أَيْ: مَسْتُورَ الْحَالِ، (أَوْ) كَانَ (أُنْثَى أَوْ قِنًّا أَوْ أَعْمَى) لِأَنَّ لِلْأَعْمَى طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ بِالْخَبَرِ مِنْ عَدْلٍ، أَوْ الْحِسِّ بِحَاسَّةِ غَيْرِ الْبَصَرِ (بِنَجَاسَةِ شَيْءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخْبَرَ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ (مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ) أَوْ الْإِنَاءَيْنِ (وَعَيَّنَ) الْمُخْبِرُ (السَّبَبَ) أَيْ: سَبَبَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُخْبِرُ (مُخَالِفٌ) لِمَذْهَبِ مَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ فَقِيهٌ مُوَافِقٌ كَمَا نُقِلَ مِنْ إمْلَاءِ التَّقِيِّ الْفَتُوحِيِّ (قَبِلَ لُزُومًا) لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، كَالْقِبْلَةِ وَهِلَالِ رَمَضَانِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْتُ: وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ فَيَعْمَلُ الْمُخْبَرُ بِمَذْهَبِهِ فِيهِ (وَإِلَّا) يُعَيِّنَ الْمُخْبِرُ السَّبَبَ، (فَلَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا عِنْدَ الْمُخْبِرِ دُونَ الْمُخْبَرِ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَبَبِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ إخْبَارُهُ بِنَجَاسَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّوَهُّمِ كَالْوِسْوَاسِ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ التَّعَيُّنُ (وَإِنْ) (أَخْبَرَهُ) الْعَدْلُ الْمُكَلَّفُ- وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ- (أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ)- مِنْ بَابِ: نَفَعَ، أَيْ: شَرِبَ بِأَطْرَافِ لِسَانِهِ- (فِي هَذَا الْإِنَاءِ وَقَالَ) عَدْلٌ (آخَرُ: بَلْ) وَلَغَ (فِي هَذَا): قَبِلَ الْمُخْبَرُ وُجُوبًا قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَ(وَجَبَ) عَلَيْهِ (اجْتِنَابُهُمَا) أَيْ: الْإِنَاءَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِكَوْنِ الْوُلُوغَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، اطَّلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. (وَكَذَا لَوْ عَيَّنَا كَلْبَيْنِ) قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ فِيهِ هَذَا الْكَلْبُ دُونَ هَذَا الْكَلْبِ، وَعَاكَسَهُ الْآخَرُ: فَيَقْبَلُ خَبَرَهُمَا، وَيَكُفَّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ لَمَا نَفَاهُ الْآخَرُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَ) إنْ عَيَّنَا (كَلْبًا) وَاحِدًا (وَ) عَيَّنَا (وَقْتًا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ فِيهِ) مِنْهُمَا: (تَعَارَضَا) وَسَقَطَ قَوْلُهُمَا (وَحَلَّ اسْتِعْمَالُهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ: فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ قَوْلُ مُثْبِتٍ عَلَى) قَوْلِ (نَافٍ)، لِمَا سَبَقَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُثْبِتُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شُرْبَهُ، كَالضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ حِسِّهِ فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَصِيرِ، لِرُجْحَانِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَاسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ. (تَتِمَّةٌ): وَإِنْ عَلِمَ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَشَكَّ هَلْ كَانَ وُضُوءُهُ قَبْلَ نَجَاسَةٍ أَوْ بَعْدَهَا؟ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَكَشَكِّهِ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ النَّجَاسَةَ قَبْلَ وُضُوئِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَكَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَنَقَصَ بِالِاسْتِعْمَالِ؟ أَعَادَ لِأَنَّ الْأَصْلَ نَقْصُ الْمَاءِ (وَيَلْزَمُ عَالِمَ نَجَسٍ) مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يُعْفَى) عَنْهُ (إعْلَامُ مَرِيدِ اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَجِبُ بِشُرُوطِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا يُعْفَى عَنْهُ كَيَسِيرِ دَمِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مُصَلًّى لَا يَجِبُ الْإِعْلَامُ بِهِ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ لَا تَفْسُدُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ) أَنَّ (الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ عَالِمٍ) بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ شَيْءٍ عِنْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: يَجُوزُ وَضْعُ مَاءٍ طَاهِرٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِي مَائِعٍ لِغَيْرِهِ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْغَيْرِ نَجَاسَتُهُ، كَمَنْ يَرَى طَهَارَةَ مَاءِ النَّبِيذِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يُغْلَ فَلَهُ وَضْعُهُ فِي مَائِعٍ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ مَنْ يَرَى نَجَاسَةَ ذَلِكَ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نَضَعَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي طَعَامِهِمْ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمُسْتَعْمِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهُورِ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ نَجِسًا فِي مَذْهَبِ الْمُسْتَعْمِلِ وَجَبَ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَجِسٌ فِي مَذْهَبِهِ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ (وَإِنْ أَصَابَهُ نَحْوُ مَاءِ مِيزَابٍ) كَمَاءٍ مُجْتَمِعٍ فِي أَزِقَّةٍ (وَرَوْثِ) دَابَّةٍ، وَذَرْقِ طَائِرٍ (وَلَا أَمَارَةَ) عَلَى نَجَاسَتِهِ (كُرِهَ سُؤَالُهُ) عَنْهُ نَقَلَهُ صَالِحٌ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: لَا تُخْبِرْنَا (وَلَا يَلْزَمُ) مَسْئُولًا (جَوَابُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَوْجَبَهُ) أَيْ: الْجَوَابَ (الْأَزَجِيُّ إنْ عَلِمَ) مَسْئُولٌ (نَجَاسَتَهُ وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ الْأَزَجِيِّ (حَسَنٌ)، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِمُحَرَّمٍ) لَمْ يَتَحَرَّ (أَوْ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ (بِنَجَسٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِهِ) كَكَوْنِ الطَّهُورِ دُونَ قُلَّتَيْنِ وَعِنْدَهُ إنَاءٌ لَا يَسَعُهُمَا، (وَلَا طَهُورَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ لَمْ يَتَحَرَّ) أَيْ: لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَرِّي لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي مَوْضِعٍ لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّطْهِيرِ، وَوَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمَا احْتِيَاطًا لِلْحَظْرِ (فَإِنْ خَالَفَ) بِأَنْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ التَّحَرِّي: (لَمْ يَصِحَّ) وُضُوءُهُ (وَلَوْ أَصَابَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ بِأَنَّ مَا تَوَضَّأَ بِهِ هُوَ الطَّهُورُ، كَمَا لَوْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ دُخُولَ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ (وَلَوْ زَادَ عَدَدُ طَهُورٍ) أَوْ زَادَ عَدَدُ (مُبَاحٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَيَمَّمُ مَنْ عَدِمَ طَهُورًا غَيْرَ الْمُشْتَبَهِ بِلَا إعْدَامٍ) وَلَا خَلْطٍ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حُكْمًا (وَلَا يُعِيدُ) مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ (نَحْوَ صَلَاةٍ) كَطَوَافٍ (لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ: الطَّهُورَ (بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ (وَيَلْزَمُ تَحَرٍّ لِحَاجَةِ شُرْبٍ وَأَكْلٍ) لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ، وَ(لَا) يَلْزَمُ (غَسْلُ نَحْوِ فَمٍ) بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ إذَا وَجَدَ طَهُورًا اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَطَهَّرَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ أَعْضَائِهِ وَثِيَابِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ بِلَا تَحَرٍّ إنْ أَمْكَنَهُ (وَ) إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ (بِطَاهِرٍ وَلَوْ) مَعَ وُجُودِ (طَاهِرٍ بِيَقِينٍ أَمْكَنَ جَعْلُهُ)- أَيْ: الطَّاهِرِ- (طَهُورًا بِهِ) أَيْ بِالطَّهُورِ كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ، وَعِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمَا (أَوَّلًا) أَيْ: أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَعْلُهُ طَهُورًا بِهِ (يَتَوَضَّأُ مَرَّةً) وُضُوءًا وَاحِدًا يَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ (مِنْ ذَا) الْمَاءِ (غَرْفَةً وَمِنْ ذَا الْمَاءِ غَرْفَةً تَعُمُّ كُلُّ) غَرْفَةٍ (مِنْهُمَا الْمَحَلَّ) أَيْ: الْعُضْوَ لُزُومًا، (أَوْ) يَتَوَضَّأُ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الْمَائَيْنِ (وُضُوءًا كَامِلًا فِي الْمُغْنِي ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ مَجْزُومٌ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ رَافِعًا، بِخِلَافِ الْوُضُوءَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ (وَكَذَا غُسْلٌ) مِنْ مَائِينَ: طَهُورٌ وَطَاهِرٌ اشْتَبَهَا فَيَغْسِلُ مِنْ كُلِّ مِنْهُمَا غُسْلًا كَامِلًا، وَإِزَالَةُ نَجَاسَةٍ كَذَلِكَ، (وَيُصَلِّي صَلَاةً) أَيْ: يُصَلِّي الْفَرْضَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا، أَوْ وُضُوءَيْنِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
(وَ) إنْ اشْتَبَهَتْ (ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ) (بـِ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ، أَوْ) بِثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ، وَلَا طَاهِرَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ): لَمْ يَتَحَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِبَاهِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ، (لِعَدَمِ الصِّحَّةِ) فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ (حِينَئِذٍ)، أَيْ: حِينَ الِاشْتِبَاهِ. (فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ) ثِيَابٍ (نَجِسَةٍ، أَوْ) عَدَدَ ثِيَابٍ (مُحَرَّمَةٍ وَلَا طَاهِرَ) عِنْدَهُ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ: (صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ) مِنْ الْمُشْتَبَهِ (صَلَاةً) بِعَدَدِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ، (وَزَادَ) عَلَى الْعَدَدِ (صَلَاةً) يَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ احْتِيَاطًا، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ، وَإِلَّا يَعْلَمَ عَدَدَ نَجِسَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا صَلَاةً (حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا) أَيْ: يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ مُبَاحٍ وَلَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ جِدًّا فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ.
(وَ) فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي بِأَنَّ الْمَاءَ يُلْصَقُ بِبَدَنِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْن مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلَا بَدَلَ لَهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، (وَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ) أَيْ: مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ (وَكَذَا) أَيْ: كَالثِّيَابِ النَّجِسَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِطَاهِرَةٍ وَلَا طَاهِرَ بِيَقِينٍ (بُقَعُ أَمْكِنَةٍ ضَيِّقَةٍ) فَلَا يَتَحَرَّى إنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، بَلْ إنْ اشْتَبَهَتْ زَاوِيَةٌ مِنْهُ نَجِسَةٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى طَاهِرَةٍ بِيَقِينٍ؛ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فِي زَاوِيَتَيْنِ مِنْهُ، فَإِنْ تَنَجَّسَ زَاوِيَتَانِ كَذَلِكَ صَلَّى فِي ثَلَاثٍ وَهَكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ النَّجِسَةِ صَلَّى حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَكَان طَاهِرٍ احْتِيَاطًا (لَا) أَمْكِنَةً (مُتَّسَعَةً) كَدَارٍ وَاسِعَةٍ، وَصَحْرَاءَ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا وَاشْتَبَهَ، فَصَلَّى حَيْثُ شَاءَ بِلَا تَحَرٍّ. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّةُ تَيَمُّمَيْنِ لَوْ اشْتَبَهَ تُرَابٌ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِضِدِّهِ) أَيْ: بِطَاهِرٍ وَنَجِسٍ أَوْ مَغْصُوبٍ بِشَرْطِ إزَالَةِ أَثَرَهُ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي النَّجِسِ مَعَ الطَّهُورِ، وَأَنْ يَكُونَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ قُرْبِ الزَّمَنِ لِاسْتِعْمَالِهِ تُرَابًا طَهُورًا مُبَاحًا بِيَقِينٍ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ بِنِيَّتَيْنِ فَلَا يَصِحُّ، لِشَكِّهِ فِي إحْدَاهُمَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ اشْتَبَهَ نَحْوُ أُخْتٍ) كَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ وَبِنْتِ أَخٍ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ (بِأَجْنَبِيَّاتٍ لَمْ يَجُزْ تَحَرٍّ لِنِكَاحِ) وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَكَفَّ عَنْهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْحَظْرِ (وَ) إنْ اشْتَبَهَ نَحْوُ (أُخْتِهِ فِي قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرَيْنِ) فَإِنَّهُ (يَجُوزُ) النِّكَاحُ مِنْهُنَّ (بِلَا تَحَرٍّ، كَ) مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ (مَيْتَةٌ فِي لَحْمِ مِصْرٍ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرٍ) قَالَ أَحْمَدُ أَمَّا شَاتَانِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، فَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ فَهَذَا غَيْرُ هَذَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: فَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. (وَلَا دَخْلَ لِتَحَرٍّ فِي نَحْوِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ) كَخُلْعٍ، فَإِذَا طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ، أَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ إمَائِهِ ثُمَّ نَسِيَهَا، أَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءِ مُبْهَمَةً أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَأْتِي وَلَا تَحَرِّيَ. وَالتَّحَرِّي وَالتَّوَخِّي وَالِاجْتِهَادُ مُتَقَارِبَةٌ، وَمَعْنَاهَا: بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ جَوْهَرًا سَيَّالًا احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَوَانَيْهِ عَقَّبَهُ فَقَالَ:

.(بَابُ الْآنِيَةِ):

الْبَابُ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصِّنْفِ، وَهُوَ مَا يُدْخَلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَابٍ، وَفِي الِازْدِوَاجِ عَلَى أَبْوِبَةٍ. وَالْآنِيَةُ لُغَةً وَعُرْفًا: (الْأَوْعِيَةُ) جَمْعُ: إنَاءٍ وَوِعَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَجَمْعُ آنِيَةٍ: أَوَانِي، وَالْأَوْعِيَةُ أَوَاعِي. وَأَصْلُ أَوَانِي أَآنِي بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَتْ ثَانِيَتُهُمَا وَاوًا كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا، كَأَوَادِمَ فِي آدَمَ. (تُبَاحُ) الْآنِيَةُ (اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُبَاحٍ، لَوْ) كَانَ (ثَمِينًا كَجَوْهَرٍ) وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَبَلُّورٍ، وَغَيْرِ الثَّمِينِ كَالْخَشَبِ وَالزُّجَاجِ وَالْجُلُودِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ، (وَلَا) يُبَاحُ اتِّخَاذًا وَلَا اسْتِعْمَالًا إنَاءٌ (مِنْ ذَهَبٍ وَ) لَا مِنْ (فِضَّةٍ)، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَالْجَرْجَرَةُ: صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ. وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا، لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَرَفًا وَخُيَلَاءَ، وَكَسْرَ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقَ النَّقْدَيْنِ.
(وَ) لَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ، وَلَا اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ (مَطْلِيٍّ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ يُجْعَلَا كَالْوَرِقِ، وَيُطْلَى بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ (وَ) إنَاءٍ (مُمَوَّهٍ)- اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ مَوَّهَ- وَهُوَ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ يَلْقَى فِيهِمَا أُذِيبَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَيَكْتَسِبُ (وَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا طُلِيَ بِهِ أَوْ مُوِّهَ بِهِ (شَيْءٌ) بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَ) إنَاءٍ (مُطَعَّمٍ): بِأَنْ يُحْفَرَ بِالْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ حُفَرٌ، وَيُوضَعُ فِيهَا قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَ) إنَاءٍ (مُكَفَّتٍ بِهِمَا) أَيْ: بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: بِأَنْ يُبْرَدَ الْإِنَاءُ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شِبْهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ، وَيُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَيُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْصَقَ.
(وَ) لَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ، وَلَا اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ مِنْ (عَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ)، لِحُرْمَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُتَّخَذُ أَوْ الْمُسْتَعْمَلُ (نَحْوَ مِيلٍ وَقِنْدِيلٍ)، كَمِجْمَرَةٍ وَمِبْخَرَةٍ، وَدَوَاةٍ وَمُشْطٍ وَسِكِّينٍ، وَكُرْسِيٍّ وَسَرِيرٍ، وَخُفَّيْنِ وَنَعْلَيْنِ (وَلَوْ لِأُنْثَى)، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَأَمَّا التَّحَلِّي فَأُبِيحَ لَهُنَّ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلزَّوْجِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. (وَتَصْلُحُ طَهَارَةٌ بِهَا)- أَيْ: الْآنِيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ يَغْتَرِفَ الْمَاءَ بِهَا، (وَ) بِإِنَاءٍ (مَغْصُوبٍ، وَمُحَرَّمٍ ثَمَنُهُ) أَيْ: ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِيهَا) بِأَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً مُحَرَّمًا مِمَّا سَبَقَ يَسَعُ قِلَّتَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ دَاخِلَهُ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ (إلَيْهَا) بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَصَبًّا لِفَضْلِ طَهَارَتِهِ فَيَقَعَ فِيهَا الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (بِمَكَانِ غَصْبٍ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، وَالرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَأَفْعَالٌ نَحْوُ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ، وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ.
تَتِمَّةٌ:
(قَالَ) الشِّيشْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ لَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعَيْنِهَا حُرِّمَ هَذَا، وَإِنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يُحَرَّمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا. (وَكَذَا) إنَاءٌ (مُضَبَّبٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِصَدْعٍ) أَيْ: كَسْرٍ فَلَا يُبَاحُ اتِّخَاذًا، وَلَا اسْتِعْمَالًا، (لَا) إنْ ضُبِّبَ (لِ) ضَبَّةٍ (يَسِيرَةٍ عُرْفًا)- أَيْ: فِي عُرْفِ النَّاسِ- لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهَا (مِنْ فِضَّةٍ) لَا ذَهَبٍ (لِ) حَاجَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ (غَيْرِ زِينَةٍ): بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ لَا تَنْدَفِعُ بِغَيْرِهِ كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءٌ نَحْوُ خَشَبٍ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَحَيْثُ كَانَ لِحَاجَةٍ فَتُبَاحُ (وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهَا)- أَيْ: الْفِضَّةُ- كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ. (وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ: ضَبَّةُ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةُ (فِي نَحْوِ شُرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ: لَمْ يُكْرَهْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَلَا يُكْرَهُ طُهْرٌ مِنْ إنَاءِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَصَفَرٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ، لَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ، وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ، وَمِنْ إدَاوَةٍ، وَمِنْ قِرْبَةٍ»، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا قِيَاسًا، لِأَنَّهُ مِثْلُهَا.
(وَ) لَا يُكْرَهُ طُهْرٌ (مِنْ إنَاءٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ) إذَا لَمْ يُبَاشَرُ النَّجَسُ، (وَلَا مِمَّا بَاتَ مَكْشُوفًا)، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، (وَلَا نُنَجِّسُ) مَعْشَرَ الْحَنَابِلَةِ شَيْئًا كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا (بِظَنٍّ)، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوِسْوَاس، (وَإِنْ)- أَيْ: وَلَوْ- (حَرُمَ أَكْلٌ) مَعَ وُجُودِ اشْتِبَاهِ مُذَكًّى بِمَيْتَةٍ، (وَصَلَاةٌ مَعَ) وُجُودِ (اشْتِبَاهِ) مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ (بِضِدِّهِ) لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَرْطِ حَاجَةِ الِاسْتِعْمَالِ، (فَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كَافِرٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ (وَثِيَابِهِ)- أَيْ: الْكَافِرِ- (وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَتَهُ) كَسَرَاوِيلَ، (وَلَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ) كَوَثَنِيٍّ، وَدُرْزِيٍّ، وَنُصَيْرِي، وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَكَذَا) آنِيَةٌ وَثِيَابٌ (مُلَابِسُ نَجَاسَةٍ كَثِيرًا، كَمُدْمِنِ خَمْرٍ) طَاهِرٌ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ «وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ، وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ فِي ثَوْبِ نَحْوِ مُرْضِعَةٍ) كَكَاسِحِ كَنِيفٍ (وَحَائِضٍ وَصَبِيٍّ) لِكَثْرَةِ مُلَابَسَتِهِ النَّجَاسَةَ فِي غَالِبِ الْأَحْيَانِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِلِاسْتِعْمَالِ. (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا صَبَغَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ)، قِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَذَا، وَلَا يُبْحَثُ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْتَ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ. انْتَهَى، وَيَطْهُرُ بِغُسْلِهِ، وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ (وَكَذَا) لَا يَجِبُ غَسْلُ (لَحْمٍ يُشْتَرَى) مِنْ الْقَصَّابِ (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنَّهُ) أَيْ: غَسْلُ لَحْمٍ اُشْتُرِيَ (بِدْعَةٌ) لَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ». (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ) بَلْ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ. (وَلَا) يَطْهُرُ (بِدَبْغٍ جِلْدُ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ (تَنَجَّسَ بِمَوْتٍ)، مَأْكُولًا كَانَ أَوْ لَا: كَالشَّاةِ وَالْهِرِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاه الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْقِيتَ غَيْرُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: مَا أُصْلِحُ إسْنَادَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أَصَحُّهَا.
قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ: وَالْمَوْتُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، قَالَ السَّيِّدُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. (فَإِنْ دُبِغَ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ فِي الْحَيَاةِ (حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لَا بَيْعُهُ فِي يَابِسٍ)، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أَعْطَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً، وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعُدِّي النَّجَاسَةِ، (كَمُنْخُلٍ مِنْ شَعْرِ) حَيَوَانٍ (نَجَسٍ)، كَبَغْلٍ: فَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ. (وَلَا يَحْصُلُ دَبْغٌ بِنَجِسٍ) كَالِاسْتِجْمَارِ، (وَلَا) بِغَيْرِ (مُنَشِّفٍ لِرُطُوبَةِ مُنَقٍّ لِخَبَثٍ) بِحَيْثُ لَوْ تَقَعُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ فَسَدَ، كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، (وَلَا بِتَشْمِيسِ) الْجِلْدِ، (وَ) لَا (بِرِيحٍ وَتُرَابٍ) لِمَا سَبَقَ (وَجَعْلُ مُصْرَانٍ وَتْرًا دِبَاغٌ) (وَكَذَا) جَعْلُ (كَرِشٍ) وَتْرًا دِبَاغٌ، لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِيهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ، فَلَوْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ كَفَى، لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ. (وَكُرِهَ خَرَزٌ بِنَحْوِ شَعْرِ خِنْزِيرٍ)، كَشَعْرِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنْجِيسِ بِهَا غَالِبًا، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خَرَزَبِهِ رَطْبًا لِتَنْجِيسِهِ. (وَلَا) يَجُوزُ دَبْغُ جِلْدِ (آدَمِيٍّ)، وَلَا الْخَرَزُ بِشَعْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، (فـَ) لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ (يَحْرُمُ) ذَلِكَ، (لِحُرْمَتِهِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. (وَكُرِهَ انْتِفَاعٌ بـِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ) بِشَرْطِ أَنْ (لَا يَتَعَدَّى) تَنَجُّسُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً. وَسُئِلَ الْفَضْلُ عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ: هَذَا غِشٌّ، لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِهِ (لَكِنْ يَحْرُمُ افْتِرَاشُ جِلْدِ سَبُعٍ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً، وَاللُّبْسُ كَالِافْتِرَاشِ، لِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ «أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ، (خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ)، فَإِنَّهُ اخْتَارَ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَبُو الْخَطَّابِ (دَبْغًا فِي) إبَاحَةِ (انْتِفَاعٍ بـِ) جِلْدٍ (نَجِسٍ فِي يَابِسٍ، وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ) إذَا لَمْ تَتَعَدَّ نَجَاسَتُهُ (وَإِنْفَحَّةٌ)- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ، فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ- (مَيْتَةٍ وَجِلْدَتِهَا)- أَيْ: جَلْدَةِ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ (وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفُرٍ وَعَصَبٍ، وَحَافِرٍ وَأُصُولِ نَحْوِ شَعْرٍ) كَوَبَرٍ (وَ) أُصُولُ (رِيشٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ نُتِفَ أَوْ قُصَّ (نَجَسٌ)، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَتْ وِعَاءً نَجِسًا فَنَجُسَتْ، (وَكَذَا) فِي النَّجَاسَةِ (لَبَنُ مَيْتَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
وَ(لَا) يَنْجُسُ (صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ كَهِرِّ وَ) مَا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ، (وَفَأْرٍ) وَمَأْكُولِ لَحْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} الْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَحَرَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ نَتْفَ ذَلِكَ لِإِيلَامِهِ. (وَلَا) يَنْجَسُ (بَاطِنُ بَيْضَةِ مَأْكُولٍ): كَدَجَاجٍ، بِمَوْتِهِ، (صَلُبَ قِشْرُهَا)، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْوَلَدَ، وَكَرَاهَةُ. عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ تُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ اسْتِقْذَارًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ قِشْرُهَا فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا جُزْءُ مَيْتَةٍ (كَصَلْقِهَا فِي نَجَاسَةٍ) فَلَا يَنْجَسُ، وَيَطْهُرُ ظَاهِرُهَا بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَمْنَعُ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ إلَى دَاخِلِهَا، (وَكَعَظْمِ نَحْوِ سَمَكٍ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكُلُّهَا تُؤْكَلُ سِوَى حَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ وَتِمْسَاحٍ. (وَيَتَنَجَّسُ ظَاهِرُهَا) أَيْ: الْبَيْضَةِ الَّتِي صَلُبَ قِشْرُهَا (بِرُطُوبَةِ) مَا لَاصَقَهَا مِنْ جَوْفِ الْمَيْتَةِ (وَمَا أُبِينَ مِنْ) حَيَوَانٍ (حَيٍّ: كَظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَيَدٍ) وَأَلْيَة وَحَافِرٍ وَجِلْدٍ (فـَ) هُوَ (كَمَيْتَةٍ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا يُقْطَعُ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ طَرِيدَةِ صَيْدٍ) فَإِنَّ مَا أُبِينَ مِنْهَا طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ، وَمُنْفَصِلٌ مِنْ مَأْكُولٍ ذَكِيٍّ وَلَمْ تَزْهَقْ رُوحُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَتِمَّةٌ:
دُودُ الْقَزِّ وَبَزْرُهُ وَدُودُ الطَّعَامِ طَاهِرٌ، وَكَذَا لُعَابُ الْأَطْفَالِ، وَلَوْ تَعَقَّبَ قَيْئًا وَلَمْ تُغْسَلْ أَفْوَاهُهُمْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ» وَكَالْهِرِّ إذَا أَكَلَ نَجَاسَةً، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ، وَلَوْ لَمْ يَغِبَّ، وَكَسَائِلٍ مِنْ فَمٍ عِنْدَ نَوْمٍ. (وَسُنَّ تَغْطِيَةُ آنِيَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ التَّغْطِيَةُ (بِعُودٍ، وَرَبْطُ) فَمِ (أَسْقِيَةٍ) جَمْعُ سِقَاءٍ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السِّقَاءُ كَكِسَاءٍ: جِلْدُ السَّخْلَةِ إذَا أَجْذَعَ يَكُونُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ. انْتَهَى.
أَبِي هُرَيْرَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ الْإِنَاءَ وَنُوكِئَ السِّقَاءَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَ) سُنَّ (عِنْدَ نَوْمٍ إغْلَاقُ بَابٍ، وَإِطْفَاءُ مِصْبَاحٍ) بِغَيْرِ نَفْخٍ، لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ، (وَ) إطْفَاءُ (نَارٍ) حَالَ كَوْنِهِ مُسَمِّيًا، لِلْخَبَرِ (وَ) سُنَّ عِنْدَ نَوْمٍ (نَظَرٌ فِي وَصِيَّتِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ، (وَنَفْضُ فِرَاشِهِ) لِإِزَالَةِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ مُؤْذٍ وَوَسَخٍ (وَ) سُنَّ (وَضْعُ يَدٍ يُمْنَى تَحْتَ خَدٍّ أَيْمَنَ وَجَعْلُ) رَأْسِهِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَرِجْلَيْهِ إلَى الْمَشْرِقِ، وَ(وَجْهُهُ نَحْوَ قِبْلَةٍ عَلَى جَنْبٍ أَيْمَنَ) كَمَا يَكُونُ فِي اللَّحْدِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» يَجْعَلُهُ آخِرَ مَا يَقُولُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَغَيْرِهَا. (وَكُرِهَ نَوْمٌ عَلَى بَطْنٍ)، لِأَنَّهُ نَوْمُ الشَّيَاطِينِ، (وَ) نَوْمٌ عَلَى (قَفًا إنْ خِيفَ انْكِشَافُ عَوْرَةٍ) قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: النَّوْمُ عَلَى الْقَفَا رَدِيءٌ يَضُرُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ بِالْبَصَرِ وَبِالْمَنِيِّ، وَإِنْ اسْتَلْقَى لِلرَّاحَةِ بِلَا نَوْمٍ لَمْ يَضُرَّ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ عَلَى وَجْهِهِ.
(وَ) كُرِهَ نَوْمٌ (بَعْدَ الْفَجْرِ)، لِأَنَّهُ وَقْتُ قَسْمِ الْأَرْزَاقِ، (وَ) بَعْدَ (عَصْرٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» رَوَاه أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ.
(وَ) نَوْمٌ (تَحْتَ سَمَاءٍ مُتَجَرِّدًا) مِنْ ثِيَابٍ، وَالْمُرَادُ: مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ، وَعَلَى سَطْحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ تَحْجِيرٌ، (وَ) نَوْمٌ (وَحْدَهُ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ» (كـَ) مَا يُكْرَهُ شُرُوعُهُ فِي (سَفَرٍ) وَحْدَهُ لِحَدِيثِ «الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ» (وَ) نَوْمٌ (بَيْنَ أَيْقَاظٍ)، لِإِيذَائِهِمْ وَإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ، (وَ) كَذَا (نَوْمٌ وَجُلُوسٌ بَيْنَ شَمْسٍ، وَظِلٍّ) لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَرُكُوبُ بَحْرٍ عِنْدَ هَيَجَانِهِ) لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ، (وَخُرُوجٌ لَيْلًا إلَى صَيْحَةٍ)، لِحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَهَوَشَاتِ اللَّيْلِ، إيَّاكُمْ وَهَوَشَاتِ الْأَسْوَاقِ».
تَتِمَّةٌ:
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي طِبِّهِ: النَّوْمُ فِي الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ يُحَرِّكُ الدَّاءَ الدَّفِينَ، وَالنَّوْمُ فِي الْقَمَرِ يُحِيلُ الْأَلْوَانَ إلَى الصُّفْرَةِ، وَيُثَقِّلُ الرَّأْسَ.

.(بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِ التَّخَلِّي):

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الِاسْتِطَابَةُ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْتُ الشَّجَرَةَ إذَا قَطَعْتُهَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى، أَوْ مِنْ النَّجْوَةِ: مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ، لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَاسْتَطَابَ: اسْتَنْجَى كَأَطَابَ، انْتَهَى.
فَيُسَمَّى اسْتِطَابَةً، وَشَرْعًا: (إزَالَةُ نَجَسٍ) مُعْتَادٍ وَغَيْرِهِ (مُلَوَّثٍ) لَا نَاشِفٍ كَالْبَعْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ (خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ) أَصْلِيٍّ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ (إلَى مَا)- أَيْ مَحَلٍّ- (يَلْحَقُهُ حُكْمُ تَطْهِيرٍ)، فَلَوْ انْتَقَلَ الْبَوْلُ أَوْ الْمَذْيُ إلَى الْقَصَبَةِ، أَوْ دَاخِلِ الْفَرْجِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ، (بِمَاءٍ طَهُورٍ أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ)- أَيْ: حُكْمِ النَّجِسِ- (بـِ) مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مِنْ (نَحْوِ حَجَرٍ طَاهِرٍ مُبَاحٍ مُنَقٍّ) كَخَشَبٍ وَخِرَقٍ، وَيُسَمَّى بِالْحَجَرِ اسْتِجْمَارًا أَيْضًا، مِنْ الْجِمَارِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ (وَسُنَّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ الْمَوْضِعُ الْخَالِي، وَمِنْهُ اُسْتُعِيرَ لِمَحِلِّ الْحَدَثِ، وَبِكَسْرِ الْخَاءِ عَيْبٌ فِي الْإِبِلِ مِثْلُ الْحِرَانِ فِي الْخَيْلِ، وَبِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: الْحَشِيشُ الرَّطْبِ، وَأَيْضًا حُسْنُ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ حُلْوِ الْخَلَا أَيْ: حَسَنُ الْكَلَامِ (وَنَحْوِهِ)- أَيْ: نَحْوِ دَاخِلِ الْخَلَاءِ، كَالْمُرِيدِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ- (قَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ)، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «سَتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ» بِإِسْكَانِ الْبَاءِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ، (وَالْخَبَائِثِ) بِالشَّيَاطِينِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ: جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ، وَقِيلَ: الْخُبْثُ: الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ. (الرِّجْسِ) الْقَذَرُ، وَيُحَرَّكُ وَتُفْتَحُ الرَّاءُ وَتُكْسَرُ الْجِيمُ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (النَّجِسِ): اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَجِسَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: إذَا قَالُوهُ مَعَ الرِّجْسِ أَتْبَعُوهُ إيَّاهُ، أَيْ: قَالُوهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ. (الشَّيْطَانِ) مِنْ شَطَنَ، أَيْ: بَعُدَ، وَمِنْهُ: دَارٌ شَطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةٌ، لِبُعْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ: شَاطَ أَيْ: هَلَكَ لِهَلَاكِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. (الرَّجِيمِ): إمَّا بِمَعْنَى رَاجِمٌ، لِأَنَّهُ يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ أَوْ: بِمَعْنَى مَرْجُومٍ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْكَوَاكِبِ إذَا اسْتَرَقَ السَّمْعَ. رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: «إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ»، وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ كَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ جَمْعٌ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.
(وَ) سُنَّ (لِمُنْصَرِفٍ) مِنْ الْخَلَاءِ قَوْلُ: (غُفْرَانَكَ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، أَيْ: أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ. وَالْغَفْرُ: السَّتْرُ. وَسِرُّهُ أَنَّهُ لَمَا خَلَصَ مِنْ النَّجْوِ الْمُثْقِلِ لِلْبَدَنِ، سَأَلَ الْخَلَاصَ مِمَّا يُثْقِلُ الْقَلْبَ، وَهُوَ الذَّنْبُ، لِتَكْمُلَ الرَّاحَةُ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ إذَا خَرَجَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ.
(وَ) سُنَّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ وَنَحْوِهِ (انْتِعَالٌ وَتَغْطِيَةُ رَأْسٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا دَخَلَ الْمِرْفَقَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ» رَوَاه ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ مُرْسَلًا. (وَلَا يَرْفَعُهُ) أَيْ: لَا يَرْفَعُ الْمُتَخَلِّي رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَحْضُرُهُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فَتَعْبَثُ بِهِ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (تَقْدِيمُ يُسْرَى) رَجُلَيْهِ (لِمَكَانِ قَضَاءِ حَاجَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ فِي خَلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ» وَلِأَنَّ الْيُسْرَى لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لِمَا سِوَاهُ (وَاعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا)- أَيْ: الرَّجُلِ الْيُسْرَى- (جَالِسًا) أَيْ: حَالَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى» رَوَاه الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ.
(وَ) سُنَّ لَهُ تَقْدِيمُ (يُمْنَى) رِجْلَيْهِ (عِنْدَ انْصِرَافِهِ) مِنْ مَكَانِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ. (وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ مَكَان خَبُثَ: كَحَمَّامٍ) وَمُغْتَسَلٍ وَمَزْبَلَةٍ. فَيُقَدِّمُ يُسْرَى رِجْلَيْهِ دُخُولًا، وَيُمْنَاهُمَا خُرُوجًا. (وَعَكْسُهُ كُلُّ مَكَان شَرِيفٍ: كَمَسْجِدٍ، وَمَنْزِلٍ) وَمَدْرَسَةٍ، وَزَاوِيَةٍ، فَيُقَدِّمُ يُمْنَى رَجُلَيْهِ دُخُولًا، وَيُسْرَاهُمَا خُرُوجًا (وَ) حُكْمُ (لُبْسِ) قَبَاءٍ وَنَحْوِهِ، (كَنَعْلٍ وَقَمِيصٍ) وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ، حُكْمُ الْأَمْكِنَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى فِي اللُّبْسِ، وَالْيُسْرَى فِي الْخَلْعِ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى».
(وَ) وَسُنَّ لَهُ (بِفَضَاءٍ بَعُدَ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازِ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (مَعَ أَمْنِ) الْمَكَانِ، فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ، أَوْ عَدُوٍّ يَغْتَالُهُ، فَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
(وَ) يُسَنُّ لَهُ بِهِ (اسْتِتَارٌ) عَنْ نَاظِرٍ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» (وَ) سُنَّ لَهُ (طَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ)- بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ- يَبُولُ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَالدَّمِثُ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ: اللَّيِّنُ السَّهْلُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ وَيَقْصِدُ مَكَانًا عُلْوًا (لِبَوْلٍ) لِيَنْحَدِرَ عَنْهُ الْبَوْلُ (وَ) سُنَّ لَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رَخْوًا (لَصْقُ ذَكَرٍ بِصُلْبٍ)- بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ: شَدِيدٍ- لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (عَدُّ أَحْجَارِ اسْتِجْمَارٍ) قَبْلَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، لِحَدِيثِ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ؛ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَكُرِهَ رَفْعُ ثَوْبِهِ) إنْ بَالَ قَاعِدًا (قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ أَرْضٍ) بِلَا حَاجَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ» وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا قَامَ أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّهُ يَجِبُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (اسْتِصْحَابُ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ نَقَشَ خَاتَمَهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»، وَتَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِ الْقَاذُورَاتِ (بِلَا حَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَخَافَ ضَيَاعَهُ. (وَلَا) يُكْرَهُ اسْتِصْحَابُهُ (نَحْوَ دَرَاهِمَ) كَدَنَانِيرَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا، وَمِثْلُهَا حِرْزٌ، قَالَهُ النَّاظِمُ وَأَوْلَى. (لَكِنْ يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمٍ) احْتَاجَ أَنْ يَصْحَبَهُ مَعَهُ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى (بِبَاطِنِ كَفِّ) يَدٍ (يُمْنَى) نَصًّا، لِئَلَّا يَمَسَّ النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَابِلَهَا.
(وَ) كُرِهَ لَهُ أَيْضًا (اسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لَمَا فِيهِمَا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً، وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِمَا. وَكُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُ (مَهَبِّ رِيحٍ) فِي بَوْلٍ (بِلَا حَائِلٍ) لِئَلَّا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسَهُ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (بَوْلٌ فِي شَقٍّ) بِفَتْحِ الشِّينِ (وَ) بَوْلُهُ فِي (سَرَبٍ)- بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: ثُقْبٌ يَتَّخِذْهُ الدَّبِيبُ فِي الْأَرْضِ- لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ». قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: «يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَالَ بِجُحْرٍ بِالشَّامِ ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِئْ فُؤَادَهْ فَحَفِظُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَوَجَدُوهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ، وَخَشْيَتُهُ خُرُوجُ دَابَّةٍ بِبَوْلِهِ فَتُؤْذِيهِ، أَوْ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسُهُ (وَ) مِثْلُ السَّرَبِ مَا يُشْبِهُهُ، وَلَوْ (فَمَ بَالُوعَةٍ)، لَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) كُرِهَ بَوْلُهُ فِي (مَاءٍ رَاكِدٍ) لِخَبَرِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» وَكُرِهَ بَوْلُهُ فِي قَلِيلٍ جَارٍ، لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَيُنَجِّسُهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ، لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ عَادَةً، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) كُرِهَ بَوْلُهُ فِي (إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ) نَصًّا فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا «كَان لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَالْعَيْدَانُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ طِوَالُ النَّخْلِ. وَكُرِهَ بَوْلُهُ فِي نَارٍ لِأَنَّهُ يُورِثُ السَّقَمَ، (وَ) فِي (رَمَادٍ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَ) فِي (مَوْضِعٍ صُلْبٍ)- بِضَمِّ الصَّادِ- إلَّا إذَا لَمْ يَجِدَ مَكَانًا رَخْوًا، لَصَقَ ذَكَرَهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) كُرِهَ بَوْلٌ فِي (مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ» وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. فَإِنْ بَالَ فِي الْمُقَيَّرِ أَوْ الْمُبَلَّطِ أَوْ الْمُجَصَّصِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ فِيهِ.
قَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: إنْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَجَرَى فِي الْبَالُوعَةِ فَلَا بَأْسَ لِلْأَمْنِ مِنْ التَّلْوِيثِ، وَمِثْلُهُ مَكَانُ الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) كُرِهَ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ بِفَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ) تَعْظِيمًا لَهَا.
(وَ) كُرِهَ (كَلَامٌ فِي خَلَاءٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا فِي غَيْرِهِ، كَسُؤَالٍ عَنْ شَيْءٍ أَوْ مُسْتَحَبًّا: كَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ (وَلَوْ) وَاجِبًا: (كَرَدِّ سَلَامٍ) وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، (ذِكْرٍ) مَسْنُونٍ، وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمُتَخَلِّي (سَلَامٌ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ، فَلَا يَجِبْ رَدُّهُ نَصًّا، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ عَلَى مَنْ فِي الْخَلَاءِ كَغَيْرِهِ (لِتَحْذِيرِ مَعْصُومٍ) مِنْ هَلَكَةٍ كَأَعْمَى وَغَافِلٍ، يُحَذِّرُهُ مِنْ بِئْرٍ وَحَيَّةٍ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْمَعْصُومِ أَهَمُّ. (فَإِنْ عَطَسَ) الْمُتَخَلِّي (أَوْ سَمِعَ أَذَانًا حَمْدَ اللَّهَ) عَقِبَ الْعُطَاسِ بِقَلْبِهِ، (وَأَجَابَ) الْمُؤَذِّنَ (بِقَلْبِهِ) دُونَ لِسَانِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ. وَيَقْضِيهِ مُتَخَلٍّ وَمُصَلٍّ (وَ) كُرِهَ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةٍ (تَوَضُّؤٌ) فِي مَكَانِ بَوْلِهِ، (وَاسْتِنْجَاءٌ بِمَوْضِعِ بَوْلِهِ)، (وَ) فِي (أَرْضٍ نَجِسَةٍ، خَشْيَةَ تَنْجِيسٍ) بِتَطَايُرِ الْمَاءِ السَّاقِطِ عَلَى النَّجَاسَةِ.
(وَ) كُرِهَ (بَصْقُهُ عَلَى بَوْلِهِ)، لَمَا قِيلَ: إنَّهُ يُورَثُ (الْوِسْوَاسَ. ) (وَ) كُرِهَ (مَسُّ فَرْجٍ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا) حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ.
(وَ) كُرِهَ (اسْتِجْمَارٌ بِهَا)- أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى- (بِلَا حَاجَةٍ)، أَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ: كَجُرْحَةٍ بِيَسَارِهِ، فَلَا كَرَاهَةَ. (فَفِي) حَالِ اسْتِجْمَارٍ مِنْ (غَائِطٍ يُؤْخَذُ حَجَرٌ) أَوْ نَحْوُهُ (بِيَسَارٍ، وَيُمْسَحُ) الْمَخْرَجُ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ فَأَكْثَرَ، وَيَأْتِي.
(وَ) فِي اسْتِجْمَارٍ مِنْ (بَوْلٍ يُمْسَكُ ذَكَرٌ بِشِمَالٍ، وَيُمْسَحُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْحَجَرِ إنْ كَانَ كَبِيرًا، (وَمَعَ صِغَرِهِ)- أَيْ: الْحَجَرِ- (يَضَعُهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ)- تَثْنِيَةُ عَقِبٍ، كَكَتِفٍ: مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ- (أَوْ) يَضَعُهُ بَيْنَ (أَصَابِعِ قَدَمِهِ، أَوْ) بَيْنَ (إبْهَامَيْهِمَا وَمَسَحَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، لِإِغْنَائِهِ عَنْ إمْسَاكِهِ بِيَمِينِهِ، (فَإِنَّ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ كَجَالِسٍ فِي الْأَخْلِيَةِ الْبَيِّنَةِ (مَسْكُ)- كَضَرْبٍ- (حَجَرٍ بِيَمِينٍ) لِلْحَاجَةِ، (وَ) مَسَكَ (ذَكَرًا بِيَسَارٍ وَمَسَحَ) الذَّكَرَ (عَلَيْهِ)، فَتَكُونُ الْيَسَارُ هِيَ الْمُتَحَرِّكَةُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَه اسْتِنْجَاؤُهُ بِيَمِينِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: بِيَمِينِهِ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ. وَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَدَيْهِ لَزِمَهُ بِرِجْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِمَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَمَسَّحَ بِنَحْوِ أَرْضٍ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَإِنْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ. (وَلَا يُكْرَهُ بَوْلُهُ قَائِمًا) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (مَعَ أَمْنِ تَلَوُّثٍ وَنَاظِرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا» وَالسُّبَاطَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الْقُمَامَةُ وَالْأَوْسَاخُ. (وَلَا) يُكْرَهُ (تَوَجُّهٌ لِلْقُدْسِ) فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخِلَافِ حُمِلَ «نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلِهِ وَغَائِطِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ- حِينَ كَانَ قِبْلَةً، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً. (وَحَرُمَ بِلَا حَاجَةٍ دُخُولُهُ) الْخَلَاءَ (بِمُصْحَفٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ (وَ) حَرُمَ (قِرَاءَةُ) مُتَخَلٍّ قُرْآنًا (وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ) عَلَى حَاجَتِهِ. جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ فِي نَفْسِ الْخَلَاءِ.
(وَ) يَحْرُمُ عَلَى مُتَخَلٍّ (لُبْثٌ) فِي الْخَلَاءِ (فَوْقَ قَدْرِهَا)- أَيْ: الْحَاجَةِ- وَهُوَ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، قِيلَ: إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ وَيُورَثُ الْبَاسُورَ (وَ) يَحْرُمُ (كَشْفُ عَوْرَةٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ. لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَمَّامٍ أَوْ ظُلْمَةٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
(وَ) حَرُمَ (تَغَوُّطٌ بِمَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا)، قَلِيلًا كَانَ (أَوْ كَثِيرًا) كَرَاكِدٍ، لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ الِانْتِفَاعَ بِهِ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ التَّغَوُّطُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ جِدًّا (كَبَحْرٍ)، لِأَنَّهُ لَا تُعَكِّرهُ الْجِيَفُ، (أَوْ) فِي مَاءٍ (مُعَدٍّ لِذَلِكَ) كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي مَطَاهِرِ دِمَشْقَ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً.
(وَ) حَرُمَ (بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ بِمَوْرِدِ مَاءٍ) أَيْ: مَكَانِ جَرَيَانِهِ (وَطَرِيقٍ مَسْلُوكٍ، وَظِلٍّ نَافِعٍ)، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَمُتَشَمَّسُ) النَّاسِ (زَمَنَ شِتَاءٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الظِّلِّ النَّافِعِ (مَجْمَعُ نَاسٍ) لِلتَّحَدُّثِ الْمَشْرُوعِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَحْرُمُ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ (عَلَى حَرَامٍ) كَغِيبَةٍ أَوْ لَهْوٍ مِنْ قِمَارٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ سَمَاعِ آلَاتٍ فَيَجِبُ تَفْرِيقُهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
(وَ) حَرُمَ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (تَحْتَ شَجَرٍ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يُقْصَدُ) مَأْكُولًا كَانَ أَوْ لَا. لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَتَعَافُهُ النَّفْسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّجَرِ ثَمَرٌ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ظِلٌّ نَافِعٌ، لِأَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ يَزُولُ بِمَجِيءِ الْأَمْطَارِ إلَى مَجِيءِ الثَّمَرِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالنَّخْلِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تَبْلَعُ فَضْلَتَهُ. (أَوْ قُرْبَ ثَمَرِهِ)- أَيْ: الشَّجَرِ- فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَشْمَئِزُّ مِنْهُ.
(وَ) يَحْرُم بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ اسْتِجْمَارٍ بِهِ: كَرَوْثٍ) وَعَظْمٍ، (وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ كَذَنْبِهِ) وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ، (وَ) عَلَى (يَدِ مُسْتَجْمِرٍ)، وَعَلَى مَالِهِ حُرْمَةً كَمَطْعُومِ لِآدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلُغُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهَا فِي التَّقْذِيرِ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ.
(وَ) حَرُمَ بَوْلٌ وَتَغَوُّطٌ (بَيْنَ قُبُورِ) الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهَا.
(وَ) حَرُمَ (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا) حَالَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ (فِي فَضَاءٍ،) لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاه الشَّيْخَانِ. وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ فَصِينَتْ عَنْ ذَلِكَ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ فِي (بُنْيَانٍ)، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، أَمَّا إذَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ. (وَيَكْفِي انْحِرَافُهُ) عَنْ الْجِهَةِ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد، وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ.
(وَ) يَكْفِي (حَائِلٌ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحَائِلُ (كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ)- بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُ الْخَاءَ، وَهِيَ: الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الرَّاكِبُ- (وَ) يَكْفِي (اسْتِتَارٌ بِدَابَّةٍ وَجَبَلٍ) وَجِدَارٍ وَشَجَرَةٍ، (وَ) يَكْفِي (أَرِخَاءُ ذَيْلٍ)، لِحُصُولِ التَّسَتُّرِ بِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: (وَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: (لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْ حَائِلٍ) كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْ جِدَارِهِ.